يوم العاشر: وهو يوم النَّحْر. اليوم الثَّامن: (يوم التَّروِية)، اليوم التاسع: (يوم عَرَفة)، اليوم العاشر: (يوم النَّحر)؛ وهو (يوم العيد). تبدأ بالدَّفع من (مُزدَلِفة) قبل طلوع الشمس -كما قُلنا- بالسَّكينة والوقار، كما دخلتها بسكينةٍ ووقار؛ تخرج منها بسكينةٍ ووقار، مُتوجِّهًا إلى (مِنى). طبعًا في (يوم العيد) نعجِّل بذِكر شيء: في (يوم العِيد) ما سئل رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- عن شيء -قُدِّم ولا أُخِّر-؛ إلا قال: " لا حَرَج، لا حَرَجَ"، أو: " افعلْ ولا حَرَج ". لذلك: بعض النَّاس يبدؤون بالطَّواف قبل (مِنى)؛ هذا لا حَرج، وإن كانت السُّنَّة أن يبدأ بـ(مِنى) ليرمي الجمرة قبل الطَّواف والسَّعي، لكن إن فعلَ؛ فلا مانع ولا حرج بنصِّ حديث رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-. أثناء مرورِه: يَمُرُّ بوادٍ اسمُه: (وادي مُحسِّر). مِن السُّنَّة عند المرور بـ(وادي مُحسِّر): الإسراع. ويُقال -وهذا لعله القول الرَّاجح-: أن (وادي مُحسِّر) هو الموضع الذي كان فيه ذِكْرُ خَبرِ الفيل، ورميِ الطَّير الأبابيل لهؤلاء الفِيَلة الذين قام أهلُها وأصحابُها ليرموا بها الكعبة، ونصرهم الله -تباركَ وتَعالى-كما هو معروف في القرآن الكريم-. وهو في مرورِه: لا يكفُّ عن الدُّعاء، والتَّلبيَة، والتَّهليل، والتَّكبير -كما ذكرنا-، إلى أن يَصِلَ عند (جمرة العَقَبة) -كما قلنا-، وهو أول عملٍ من أعمال (يوم العيد). فإذا وقف عند (العَقَبة): يقطع التَّلبيَة، فيقف عند (الجَمْرة) جاعلاً (مِنى) عن يمينِه، و(مكَّة) عن يسارِه، ثم يرمي (جَمرة العَقَبة) سَبعَ حصَيات. سبع حصيات: يعني الحبة أو الحصاة مثل الحِمِّصة -كما نقول باللَّهجة العامية: (مثل حبَّة الحمُّص)، وفي اللغة العربية: (الحِمِّص)-. فيرميها بسَبع حصيات كالحِمِّصة. طبعًا: ليس عندنا ميزان دقيق نقول: هذي حمِّصة أصلية كبيرة صغيرة! الأمر يقدَّر تقديرًا. لكن (مش) الواحد يأتي بدبش وصخر وقطع حجريَّة عظيمة! كما رأينا بعض النَّاس يرمون بالأحذية.. وبما أشبه ذلك!! هذا غلط! وهذا ليس من السُّنَّة! هذا مِن الغُلُوِّ. الأمرُ أصلُه -كلُّه- تعبديٌّ؛ فلا تتخيَّل أن هذه الحصا إذا كبرت تكون أعظم! لا؛ إذا وافقتَ فيها السُّنَّة؛ تكون أعظم، ولو كان خيرًا لسبقنا رسولُ الله -صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم-. نعم. الأصل عندَ الرَّمي: أن تحرص على الرَّمي في الحوضِ. والآن -الحمدُ لله- الحوض -مَن لم يعرف؛ فليعرف-: الحوض -الآن- موسَّع، وصار له طرق داخلة، وطرق خارجة، يستطيع الحاج أن يصلها بكل يُسر، وبكل سرعة؛ بل يستطيع أن يرمي وهو واقف على طرف الحوض! بينما ذلك في السَّنوات الماضية-قبل ثلاث سنوات قبل التَّوسعة-؛ كان الأمر ذا حرج عظيم، وكانت تقع -هنالك- مقتلة عُظمى؛ لكن -الآن-الحمد لله- تيسَّرت الأمور، وصار الحاجُّ يستطيع أن يرمي بسهولةٍ بنفسِه؛ لذلك أرى أن التوسُّع في التَّوكيل -الآن-، في موضوع التَّوكيل.. واحد عنده زوجته.. عنده أمُّه.. عنده أختُه.. عنده ابنتُه؛ يقول لها: (اجلسي أنا أتوكَّل عنك)! هذا خطأ! التَّوكيل إذا وُجد ضرورة مُلحَّة، ليس أي ضرورة، ضرورة ملحَّة. لكن الواقع الحالي ليس فيه مثل هذه الضَّرورة -لا في قليلٍ، ولا في كثيرٍ-. إذا انتهى من الرَّمي: يذبح الهَدْي؛ الهَدْي السَّمين، الصَّحيح، الخالي من العيوب، {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]، فيذبحُه. ومِن السُّنَّة: أن يقف على الذَّبح بنفسِه، وأن يُباشرَه بنفسه، إذا استطاع أن يذبح بيده؛ فليذبحْ، هكذا فعل رسول الله -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-. ثم بعد ذلك: يحلق شعرَ رأسِه، والحَلْق أفضل مِن التَّقصير. الحلق يكون بـ(الموسَى) -ما نسمِّيه باللَّهجة العامية: (المُوس)-، الحلْق يكون بالموسَى، والتَّقصير يكون بما هو أقل مِن الموسى، أن يكون للشَّعر أصول. أمَّا ما يفعله بعض الحُجَّاج -اليوم-: يأتي بمقص صغير، يأخذ من هنا قطعة، ومن هنا قطعة، ومن هنا قطعة... هذا ليس له أصل في السُّنَّة، هذا أشبه ما يكون بفعل النِّساء! المرأة هي التي تقصُّ قدر الأُنملة من رأسها، الآن قدر الأنملة؛ صار لكثير من الرِّجال -وللأسف الشديد!-. السُّنَّة -إذا أردت التَّقصير-: تقصِّر شعرك كلَّه -من كل أطرافِه-، والأفضل: الحلْق؛ الرَّسول -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- قال: " اللهمَّ! اغفِر للمحلِّقين، اللهمَّ! اغفر للمُحلِّقين، اللهمَّ! اغْفِر للمُحلِّقين "، قالوا: والمقصِّرين يا رسول الله؟ قال: "والمقصِّرين" -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- . نعم. بعد رمي (جمرة العَقَبة): يكون المحرِم قد حلَّ الإحلالَ أو (التَّحلُّل الأصغر). و(التَّحلُّل الأصغر): هو الذي أحلَّ الله له به كل شيء إلا النِّساء، وهذا يُسمَّى: (التَّحلُّل الأول). وبعض العلماء يشترط مع الرَّمي للتَّحلل الأول: الحلْق والتَّقصير. قالوا: لا بُد أن يفعل فِعلين ليس فعلًا واحدًا. وذهب بعضُ أهل العلم إلى أنه بالرَّمي وحده؛ يكون قد حلَّ التَّحلُّلَ الأوَّل. بعد أن يتحلَّل (التَّحلُّل الأوَّل): يُسَنُّ له أن يتنظَّف ويتطيَّب. يعني: مضى عليه قريب من يومين، وهو في عمل، وفي عُسر.. مع أنه يستطيع في (يوم عَرَفة) أن يغتسل، ويستطيع أن يغيِّر الإزار والرِّداء. طبعًا نحن لم نذكر -وهذا الذي فوَّته علينا أنه من البدَهيات-: أن الحاج إذا أحرم ينزِعُ كلَّ ثيابِه؛ إلا إزارًا ورداءً يقي فيهما عورَتَه، ويتَّقي بهما الحرَّ والقرَّ، لا يلبس شيئًا، غير غطاء يضعُه على نصفِه الأعلى، وآخر يضعه على نصفِه الأسفل. أول أيام (مِنى)، وأثناء يوم (عَرَفة) يستطيع أن يغيِّر، يستطيع أن يغتسل، لكن؛ لا يتطيَّب. بعض النَّاس تسأل عن معجون الأسنان.. بعض النَّاس تسأل عن الصَّابون الذي فيها شيء من العِطر، هذا -معجون الأسنان، أو الصَّابون- لا يُسمَّى طِيبًا -لا في لغةٍ، ولا في عُرْف-، وخاصة الصَّابون أن الرائحة القليلة التي فيه؛ تذهب مع غَسل المادة -مباشرة-؛ فهذا لا بأس به -إن شاء الله-تعالى-. إذًا: بعد أن يتحلَّل، ويتنظَّف، ويتطيَّب؛ يتوجَّه إلى مكة إلى المسجد الحرام؛ ليطوف (طواف الإفاضَة)، و(طواف الإفاضَة) رُكنٌ لا يتمُّ الحجُّ إلى به. كما قلنا: لا نعرف في أركان الحجِّ ركنًا يُستغنى عنه، أو يتساهلُ فيه، أو يُتسامَح لبعض النَّاس عنه، أو يؤذن لهم بتَركه؛ هذا مِن أعظم الأدلة على أن (مُزدَلِفة) والمبيت بها، وصلاة الفجر فيها ليس ركنًا. نعم. فيطوف (طواف الإفاضَة)، وبعد ذلك يَسعى بين (الصَّفا) و(المروَة). والسَّعي بين (الصَّفا) و(المروَة)، و(طواف الإفاضَة) للمتمتع والمُفرِد والقارِن. بعضُ أهل العلم يقول: هذا السَّعي الثاني للقارِن والمُتمتِّع والمفرِد؛ مُستحب ليس بواجب. وبعضهم قال: واجب. وبعضهم قال: رُكن. (رُكن) لمن؟ للمتمتِّع والقارِن. بعضهم قال: لا، الرَّسول -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- ورد عنه الفِعل، ولم يَرد عنه الأمرُ به، وورد عن بعض الصَّحابة أنهم تركوا ولم يَسْعَوا؛ فهذا دليل.. قال بعض الصَّحابة: (فاكتفينا بسَعيِنا الأوَّل)-وهو سعيُ العُمْرة-. مَن أخَّر سعيَه الأول إلى (يوم العيد) ليضمَّه إلى (طواف الإفاضَة)؛ يُجزئه؛ فيكون سعيُه (يوم العيد) ماذا؟ رُكنًا. أما مَن سعى السَّعي الأول مع (طواف القُدوم) -وهو طواف العُمْرة-؛ فحينئذٍ نقول له -على ما هو الرَّاجح-: أنه سُنَّة، وليس بواجب. وأرجو التنبُّه إلى شيء -أيها الإخوة!-: أننا عندما نقول: (سُنَّة) نقول سُنَّة؛ لتُفعَل، لا نقول: (سُنَّة) لتُترك! يعني: بعض النَّاس نقول له -مثلًا-: (من السُّنَّة: إعفاء اللحية)، يقول لك: (هي سُنَّة يا شيخ!)! يعني: سُنة نتركها؟ أم سُنة نفعلها؟! هي سُنَّة لتُفعَل، لا نقول (سُنَّة) لتُترك. إذًا: إذا قلنا سُنة؛ فالسُّنَّة فعلُها. نعم؛ تركُها قد لا يكون إثمًا -أقصد: السَّعي في (يوم العيد)-، لكن؛ فِعلها -لا شكَّ، ولا ريبَ- أفضل. كما ذكرنا: السُّنَّة في (يوم العيد) ترتيب أعمال اليوم -على ما بيَّنا-، ولكن؛ لو قُدِّم شيء، أو أُخر شيء، فكما ذكر النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- كان يقول للسَّائل: " لا حَرج، لا حرَج ". هذه أعمال اليوم العاشر.
|